سيرة
سيد قطب الحركية:
سيد قطب الحركية:
دخل الأستاذ سيد
دعوة الإخوان المسلمين سنة (1951م)
وكان يعبر عن هذا بأعمق تعبير
قائلا : ولدت سنة (1951م) ، وقد جاء
سيد على قدر ، ولكل أجل كتاب فلم
يحفل سيد بالدعوة في بداية الأمر
ولم يكن يعني نفسه للقاء بقائدها
البنا الذي ضم الأفذاذ من أبناء
مصر تحت جناحيه وبين صفوفه ،
فكانت دعوته صفوة أبناء مصر.
وقد ابتدأ سيد قطب
يتجه نحو الكتابة عن الإسلام
العام ، ولم يكن سيد بعد قد أدرك
بعد أعماق هذا الدين ، ولم يسبر
أغواره بمسبار ، وكتب كتاب
العدالة الاجتماعية مستعرضا
نظام الحكم والمال ، وتركه مع
إهداء جميل: (إلى الذين كنت
المحهم بعين الخيال قادمين
فرأيتهم بواقع الحياة قائمين
يجاهدون بأموالهم وأنفسهم في
مستقبل قريب جد قريب) ، ثم عهد إلى
أخيه محمد في مصر لطباعته ، وطبعه
الأستاذ محمد مع هذا الإهداء على
حين كانت الحكومة قد نكلت
بالإخوان وأودعتهم المعتقلات
تمهيد ا لاغتيال الإمام الشهيد
البنا ، وظنت الحكومة أن سيد قطب
هو أحد أعضاء الإخوان وأن الكتاب
مهدي إلى شباب الإخوان ، فصادرت
الحكومة الكتاب ولم تسمح بنشره
إلا برفع الإهداء ، فرفع الإهداء.
ويحدث الأستاذ سيد
عن نفسه وهو في طريقه إلى أمريكا
مبعوثا من وزارة المعارف
المصرية التي يستلم وزارتها طه
حسين -أستاذه- ، فأرسل الأستاذ
سيد للإطلاع على المناهج
الأمريكية ، يقول الأستاذ سيد: (كنا
ستة نفر من المنتسبين إلى
الإسلام على ظهر سفينة مصرية
تمخر بنا عباب المحيط الأطلسي
إلى نيويورك(1) 1- في ظلال القرآن
عند تفسير آية (وما كان هذا
القرآن أن يفترى من دون الله) (يونس:
37) ، أنظر طبعة الشروق (11-1786).
فهو يعتبر نفسه آنذاك منتسبا
إلى الإسلام).
ويشاء الله عز وجل أن
يهديه سواء السبيل وأن يريه
آياته ليجعله جنديا مخلصا
في صف الدعوة الإسلامية ، وتحدث
معه حادثتان تضطرانه للدخول تحت
جناح الدعوة.
أما الحادثة الأولى:
فقد حصلت في (13) شباط (1949م) يقول
فيها أنه كان مستلقيا فوق سريره
في إحدى مستشفيات أمريكا ، فيرى
معالم الزينة وأنوار الكهرباء
الملونة وألوان الموسيقى
الغربية والرقصات ، ما هذا العيد
الذي أنتم فيه؟ فقالوا: اليوم قتل
عدو النصرانية في الشرق ، اليوم
قتل حسن البنا ، وقد كانت هذه
الحادثة كفيلة أن تهزه من أعماقه
، حسن البنا!! يحتفل بمقتله في
داخل أمريكا ، إذن لا بد أن يكون
الرجل مخلصا وأن تكون دعوته
خطيرة حقا ، ترجف لسماعها
أوصال الغرب هلعا واضطرابا .
وأما الحادثة
الثانية: فقد حصلت في بيت مدير
المخابرات البريطاني في أمريكا ،
إذ كانت السفارات الغربية تتسابق
في رمي شباكها لاصطياد الطلاب
الشرقيين وإيقاعهم بحبائلها
ليكرسوا في محافلها المختلفة ،
ويقسموا العهد على خدمتها وإنذار
الحياة خالصة لخدمتها ، وأي صيد
أثمن من الكاتب المعروف سيد؟
فدعاه مدير المخابرات البريطاني
إلى بيته ، يقول الأستاذ سيد: (واستدعى
انتباهي أمران: الأول: إن هذا
البريطاني يسمى أبناءه بأسماء
المسلمين ، محمد وعلي وأحمد... ،
والثاني وجدت لديه كتاب العدالة
الاجتماعية ، وهو يعمل في ترجمته
، وهي النسخة الثانية في أمريكا
إذ الأولى لدى وصلتني من أخي محمد
قطب).
وبدأ الحديث عن
أحوال الشرق وما ينتظره من
مستقبل وأحداث ، ويعرج على مصر
ليستفيض في الحديث عنها وتأخذ
جماعة الإخوان المسلمين القسط
الوافر من الحديث ، ويعرض علي
تقارير مفصلة عن نشاط الجماعة
وعن تحركات البنا وخطبه منذ أن
كانت الجماعة ستة في الإسماعيلية
حتى سنة (1949م) ، تفصيلات تؤكد أنهم
قد سخروا أجهزة وأموال تتبع نشاط
الإخوان وحركاتهم وسكناتهم
ورصدوا لذلك أموالا ورجالا
خوفا من هذا الغول البشع -الإسلام-
وعقب البريطاني قائلا : (إذا قدر
ونجحت حركة الإخوان في استلام
حكم مصر فلن تتقدم مصر أبدا ،
وسيحولون بعقليتهم المتخلفة بين
الحضارة الغربية ، وستقف
عقلياتهم المتحجرة دون تطور
الشعب والأرض ، ثم قال: ونحن نأمل
من الشباب المتعلمين أمثالك ألا
يمكنوا هؤلاء من الوصول إلى سدة
الحكم).
يقول سيد: قلت في
نفسي (الآن حصحص الحق) ، وأيقنت أن
هذه الجماعة على الحق المبين ،
ولم يبق لي عذر عند الله إن لم
أتبعها ، فهذه أمريكا ترقص على
جمجمة البنا وهذه بريطانيا تسخر
أجهزتها وأقلام مخابراتها -حتى
داخل أمريكا- لمحاربة الإخوان.
يقول سيد: فصممت في
قرارة نفسي أن أدخل الإخوان وأنا
لم أخرج بعد من بيت مدير
المخابرات البريطاني.
وكانت يد الله تعد
لتهيئة الأجواء حتى يدخل سيد قطب
دعوة الإخوان ، فهناك في مصر وزع
كتاب العدالة الاجتماعية
والإخوان مودعون لدى معتقلات
الطور وغيرها تحاربهم زبانية
فاروق ، وإهداء الكتاب يوحي أنه
مهدى إلى الإخوان ، فظنه الإخوان
منهم وأن الإهداء موجه إليهم ،
فأقبلوا على العدالة يتداولونها
ويقرؤونها.
وهنا في أمريكا
الحادثة تلو الحادثة تقنع سيدا
بصدق دعوة الله.ويترامى إلى
مسامع الإخوان تاريخ مقدم سيد
إلى مصر ، فتعد الدعوة كوكبة من
شباب جماعة القاهرة لاستقباله في
ميناء الإسكندرية مثل عبد العزيز
سيسي رحمه الله.
فيعجب الأستاذ سيد
بتربية الإخوان وأدبهم ألجم
وخلقهم الرفيع ، وبمجرد أن وطأت
قدماه أرض مصر اتصل بالأستاذ
الهضيبي المرشد وعرض عليه أن
يقبله جنديا في صف دعوة
الإسلام ، فيرحب به الأستاذ
الهضيبي ، ويبدأ الأستاذ سيد منذ
تلك اللحظة جهاده المنظم المركز
، وقد كان صادقا منذ اللحظة
الأولى ، وتعبيرا عن جده
في الأمر قدم استقالته إلى وزارة
المعارف وأعلن مفاصلته لطه حسين.
وقد سلمه الأستاذ
الهضيبي بعد فترة رئاسة تحرير
جريدة الإخوان المسلمون ،
وكتب بها مقالات صدرت فيما بعد في
كتاب أسماه -دراسات إسلامية- ثم
قامت الثورة سنة (1925م) ، وكان
للإخوان اليد الطولي في إنجاح
الصورة وتهدئة الأوضاع ، إن الذي
أجبر الملك فاروق على التوقيع
على وثيقة التنازل هو الضابط عبد
المنعم عبد الرؤوف أحد أفراد
الدعوة المخلصين في قصر المنتزه
في الإسكندرية ، ووزع الإخوان
عشرة آلاف مسلح في القاهرة وحدها
لحماية الثورة ، ولقد كتب فاروق
في مذكراته: (إن الإخوان المسلمين
هم الذين قلبوا عرشي) (وما كان
ضباط الثورة إلا العوبة
بأيديهم ، ولقد أراد الإخوان
المسلمون ضربي في عرض البحر لولا
أني أمرت ربان السفينة تغير
اتجاهها)(1). 1- أنظر فاروق بين
القمة والحضيض.
أقول بعد الثورة طلب
مجلس الثورة من الأستاذ سيد أن
يكون مستشارهم للشؤون الداخلية
فقبل ، ولكن لم يستطع العمل معهم
اكثر من ثلاثة أشهر ، وثلاثة أشهر
أخرى على مضض وبفتور ثم تركهم لأن
طبيعته لا تقبل الالتواء والتثني